قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده» رواه البخاري 1/58.. وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«لا يؤمن عبد حتى أكون أحبَّ إليه من أهله وماله والناس أجمعين» 1/67.
مسألة قاطعة، وقضية محسومة، وموقف ثابت هو «حب النبي الأعظم صلى الله عليه آله وسلم» هو حبه ثاني حُبيّن بعد حب الله تعالى.. والذي يحب الله «يحب»أن يتبع رسول الله (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) آل عمران 31.
وهذا الاتباع يقتضى الحب الصادق الواثق العميق الذي يصل إلى درجة هي أعلى من حب أغلى ما لدينا: الوالد والولد والأهل والمال والناس أجمعين.. لأننا لن نقدر على أداء حقوق أولئك الوالدين والمولودين والأهل والناس إلا إذا أحببناه واتبعناه وعلمنا علم اليقين وعرفنا حق المعرفة ورعينا حق الرعاية حقوقهم التي افترضها الله علينا تجاههم.. فحبه صلى الله عليه وآله وسلم يرشدنا إلى حبهم وودهم وبرهم والعناية بهم ليكونوا معينا على طاعة الله ورضاه.
وهذا يعني أن (محبة النبي) سبب مهم من أسباب (حلاوة الإيمان) بدليل الحديث الذي رواه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لايحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار».. قال الإمام النووي بأن معنى (حلاوة الإيمان) «هو: استلذاذ الطاعات، وتحمل المشاق في الدين، وإيثار ذلك على أعراض الدنيا» راجع شرح النووي 2/13.
(المحمدية المحدية) تضئ جوانحنا بكل ما يحبه الله ورسوله، وتقوّي جوارحنا على فعل ما يأمر به الله ورسوله، وتفبض علينا سلوك الخشية، وسمت الإخبات، وجلال الأخلاق المحمدية، وجمال الأنوار القرآنية، وتنفح وجودنا بعبير من سلوك (كان خلقه القرآن).. وبفيض من نور(اتبعوا النور الذي أنزل معه).. وتصرفات عنوانها(لقد كان لكم في رسوله الله أسوة حسنة) الأحزاب (21).. فيكون لنا هو الأسوة العظمى، والقدوة العليا، والنموذج المهتدى به، وصاحب الأثر المقتفى، والمثال المنّزه من كل عيب.. ومحبته صلى الله عليه وسلم سبب مهم من أسباب مرافقته في دار الخلد الأعلى، فقد جاء عن الشيخين أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يارسول الله كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟! فقال له: المرء مع من أحبى» رواه البخاري 10/ 557 ومسلم 4/ 2034.. قال العلماء:«والمراد بقوله - المرء مع من أحب - أي في الجنة».. كما جاء في عمدة القارئ 22/ 197.
ومن علامات حبه صلوات ربي وسلامه عليه على آله الطاهرين:
-1 نصرة سنته والذب عن شريعته.. كما قال الإمام النووي 2/ 16، وسنته تعني منهجه وسلوكه وأسلوبه وأخلاقه وتعامله.. أي أن لا نحصر (السنة) في شكل الثياب وطول الشعر، بل في عمق الثبات وصدق الشعور.
-2 امتثال ما أمر به لقوله:«ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فانتهوا».. فلماذا لا نطبق ما أمر به من الحلم والسلم، والتواضع والرحمة، وخفض الجناح، وكف الأذى وحسن الظن وحسن الخلق؟ فقط نركز على الظواهر دون الجواهر!.
-3 الاستعداد لبذل المال في كل سبيل يرضيه من إغاثة المسلمين، وبذل الصدقات، وتفريج الكربات، وإعانة المنكوبين، وتكوين صناديق وهيئات وجمعيات ومؤسسات لتنظيم هذه المبرات الخيرة، ليصل غيثها وغوثها لكل أتباعه.
-4 كثرة الصلاة والسلام عليه وعلى آله، وهذا الموضوع بحر شاسع واسع يحتاج إلى بسط وبيان.. فلنكف ولنكتف.. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
مدرس بكلية التربية
جامعة عدن